رسائل الكون
رسائل الكون
16/09/2021
فاطمة الزهراء كلا
أنا مؤمنة بالرسائل الكونية او ما يسمى بالإشارات القدرية ، لقد صادفتها في كثير من المواقف في حياتي ، خاصة عندما أقف في مفترق الطرق فهي تنقدني أعتبرها نوعا من عناية الله بي و هي بالفعل تجسيد حقيقي لذلك .
اليوم سأكلمكم عن واحدة من الرسائل الكونية التي صادفتها و أنا أفكر في قرار كبير في حياتي ، نعم كنت في لحظة تأملية في محاولة لترتيب افكاري و اتخاد القرار الصائب الذي لن أندم بعده ، كنت في أحدى الحدائق حيث يسود الهدوء ، الأشجار الورود و الكثير من العصافير ، هذا جوي المثالي في هذه الأثناء جلست بجانبي امرأة كنت غارقة في افكاري في محاولة لتقييم حياتي ، حينما بدأت المرأة بجانبي بالحديث معي بدأت تسألني عن دراستي أحلامي و الكثير من الأسئلة التي أجبت عنها بتحفظ شديد ، لست ممن يحبذ الحديث مع الغرباء .
و للحظة بدأت في الحديث معي عن حياتها في تلك اللحظة فهمت ان أسئلتها كانت مدخلا لكي تبدأ الحديث معي يبدو انها رأت انني الشخص المناسب لتحكي قصتها ،بدأت حينها تحكي لي منذ ان كانت طفلة ، بدأت بالحديث عن عائلتها المرموقة التي تتكون من 5 أفراد الام و الأب و طفلان و هي ، كانت طفلة ابيها المدللة ، كانت متفوقة في دراستها ، و لهذه المرحلة كان كل شيئ في حياتها يسير بشكل جيد ، عندما دخلت الجامعة حصلت بعض المشاكل المادية وأصبح الأب بدون عمل ، بدأ اليأس يحل على هذه العائلة و تفاقمت المشاكل ، اصبح الأب يقضي معظم يومه في الشرب ، و يقضي أمسياته في التجمعات السياسية و الاجتماعية ، لم تعد تركز في دراستها بالشكل المطلوب اعادت السنة ، في إحدى الأمسيات اقترح العم على ابيها ان تبدأ العمل في احدى البنوك و تساعده ماديا ، وهي وافقت من مبدأ ان المستوى الاجتماعي لعمها اكثر من مستواهم الاجتماعي ، يسافرون كثيرا ، أزيائهم فخمة ..... وافقت لتستطيع مساعدت نفسها .
تركت الجامعة و بدأت في العمل بتوصية من عمها ، كان هذا في منتصف سبعينات القرن الماضي ، بدأت في العمل و كانت سعيدة جدا في تلك الفترة ، من كلامها بدا لي انها اكثر سنوات عمرها سعادة ، تعرفت على زميل لها في العمل و عبر عن اعجابه بها ، عرض عليها في مرة ان يذهبا للغداء معا بَنَت احلاما كبيرة مرت الأيام بذلك الشكل.
في مرة تأخرت عن العمل و صرخت عليها المديرة امام زملائها ، و من ضمنهم الشاب الذي يعجبها ، و ك رد فعل للحرج الذي اصابها قامت بتمزيق كل الملفات و الشيكات التي كانت تعمل عليهم ، حينها لم يكن هناك نظام حاسوبي يحفظ النسخ ، كان كل شيئ عبارة عن ورق ، و بالتالي رد فعلها قد تسبب بمشكل كبير حينها ، تم فصلها من العمل .
لم تعد تخرج من غرفتها ، انتهى الاتصال مع الشاب الذي بنت على اعجابه احلاما كبيرة ، و أصبحت في هذه الفترة تلوم عمها لانه هو من اقترح ان تعمل و تترك الجامعة و تلوم أبها الذي وافق على اقتراحه ، قام الأب و العم بمحاولات لإعادتها للعمل لكنها فشلت ، رفضو إرجاعها للعمل و لكن يمكن ان يعمل احد اخر مكانها و اقترح الأب شقيقها .
بدأ شقيقها في العمل و هذا جعلها تكرهه ، و شقيقها الاخر تخرج من الجامعة و تزوج و بدأ في العمل ، و هي لم تفعل شيئا ، اصابها الاكتئاب و لم تستطع الخروج من غرفتها او ممارسة اي نشاط سوى اللوم و الكره الذي تحمله للجميع ( الأب ، العم ،. الأخ ...) ، كانت تحاول ان تجعل أخاها يفقد عمله الذي كان يوما ما عملها ، توفي الأب ، سافر الأخ الأكبر ، اضطرو لبيع منزلهم الذي كان في احد الأحياء الراقية و انتقلو لمكان اخر ، عندما قابلت هذه السيدة كان عمرها 56 سنة ، تصور معي ان تضيع كل عمرك في لوم الآخرين ، و للحظة التي قابلتها فيها تقول لن أسامح ابي و عمي هم من دمرو حياتي ، للان تعيش على ذكرى شاب تغدت برفقته لمرة واحدة و عبر لها عن اعجابه بها ، للان تكره أخاها لانه اخد وظيفتها ، عندما أنهت سرد قصتها أخبرتها ماذا تفعلين في حياتك الان ؟ تعيش هي و اخوها و أمها ، تقول أنا و اخي طوال اليوم في مشاكل كأننا أطفال ، كل من في العائلة يضحك علينا .
أصبت مرتين بالموت ، سألتها كيف ؟ اشعر بأعراض الموت كلها ، لكنني بيولوجيا سليمة ، في نهاية الحديث أخبرتني انه عليها الاختيار بين البقاء هنا مع أم و الأخ او القبول بوظيفة في مدينة اخرى ، و انها خائفة من هذه التجربة لا تريد ان تموت وحدها .
لقد استغرق هذا الحديث ساعتين ، بدأ ابي و أمي في الاتصال لأنني تأخرت ، في تلك الساعتين ، عرفت وجهتي ، عرفت انني بحاجة لأكون صادقة مع نفسي ، عرفت انني مسؤولة عن نفسي و اختياراتي و ردود افعالي ... ، لا أنكر حجم الطاقة السلبية التي استقبلتها من تلك السيدة ، لدرجة انني عندما عدت للمنزل تملكتني الرغبة بالبكاء الشديد ، اشفقت عليها كيف لانسان ان يضيع عمرا في الكره و اللوم .
أنا ممتنة لتلك السيدة لانها اختارت الجلوس بجانبي ، و تحدث معي ، ممتنة لانها منحتني عمرا لم اعشه و دروسا لن اضطر لخوضها، ممتنة لها لانها جعلت تأملي فعالا و حددت وجهتي التي كنت ابحث عنها ، أينما كانت اتمنى ان تكون بخير .
تعليقات
إرسال تعليق